ما هو سر الهتاف الذى كان لحن الثورة التونسية وخلفية مظاهرات الشارع هناك؟، حماة الحمى يا حماة الحمى، هلموا هلموا لمجد الزمــن.. إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر..التوانسة الذين يتكلمون العربية مخلوطة بالفرنسية يرددون هتافاً من الشعر العربى الرصين.. أبناء تونس الذين نحسبهم من الفرانكوفون تشق حناجرهم عنان السماء بهذه القصيدة الهجين، المدهش أنها قصيدة النشيد الوطنى التونسى الذى كتبه شاعر مصرى هو مصطفى صادق الرافعى، وأضيف اليه بيتان من أشهر قصيدة تحريض عربية كتبها شاعر تونس أبوالقاسم الشابى والتى صارت إنجيل ومانيفستو التحرر والثورة فى العالم العربى.

مصطفى صادق الرافعى ابن أشهر عائلة قضائية فى مصر أصيب بالصمم فى ريعان شبابه، وظلمه النقد الأدبى أثناء حياته ولم ينصفه بعد، ماذا كان سيفعل اليوم عندما يعرف أن واحدة من قصائده كانت وقوداً شعورياً ومعنوياً لأول ثورة شعبية فى تاريخ العرب الحديث تسقط حاكماً ديكتاتوراً؟!، ماذا سيكون شعوره عندما ينصفه الشارع التونسى ويظلمه أبناء بلده؟ هل سمع وهو فى العالم الآخر: حماة الحمى يا حماة الحمى، هلموا هلموا لمجد الزمــن، لقد صرخت فى عروقنا الدما، نموت نموت ويحيا الوطن، لتدو السماوات برعدها، لترم الصواعق نيرانها، إلى عز تونس إلى مجدها، رجال البلاد وشبانها، فلا عاش فى تونس من خانها، ولا عاش من ليس من جندها، نموت ونحيا على عهدها، حياة الكرام وموت العظام، ورثنا السواعد بين الأمم، صخورا صخورا كهذا البناء، سواعد يهتز فوقها العلم، نباهى به ويباهى بنا، وفيها كفا للعلى والهمم، وفيها ضمان لنيل المنى، وفيها لأعداء تونس نقم، وفيها لمن سالمونا السلام.

أبوالقاسم الشابى الذى رحل فى منتصف العشرينيات بمرض فى القلب، كان لا يتخيل أن قلب تونس سيصدم كهربياً ويفيق من موته الإكلينيكى وينبض ويثور ويضخ دماء الثورة فى شرايين الشارع العربى كله، وكما كان النشيد الوطنى التونسى كوكتيلاً وهجيناً مصرياً تونسياً، كانت ثقافة الشابى مصرية تونسية أيضاً، فقد كان من رواد مدرسة أبوللو فى الشعر الرومانسى، ولم يدر بخلده قط أن يندمج مع شاعر يعد من مدرسة شعرية سابقة عليه أكثر تحفظاً، كان لابد من تطعيم قصيدة الرافعى بلقاح الشابى فكان النشيد الوطنى لحن الأوركسترا الثورى التونسى الذى لم يرفضه الشعب بصفته من بقايا العهد البائد. غنت تونس نشيدها الوطنى والتفت حوله برغم أنه من إفراز نظام سابق، كنسوا النظام ولم يكنسوا الفن الذى تزامن معه ولم يرتبط به.